الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
النَّفَقَاتُ جَمْعُ نَفَقَةٍ (وَهِيَ) لُغَةً الدَّرَاهِمُ وَنَحْوَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ النَّافِقَاءِ مَوْضِعٌ يَجْعَلُهُ الْيَرْبُوعُ فِي مُؤَخَّرِ الْجُحْرِ رَقِيقًا يُعِدُّهُ لِلْخُرُوجِ إذَا أَتَى مِنْ بَابِ الْجُحْرِ دَفَعَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ النِّفَاقُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِيمَانِ أَوْ خُرُوجِ الْإِيمَانِ مِنْ الْقَلْبِ. وَشَرْعًا (كِفَايَةُ مَنْ يَمُونُهُ خُبْزًا وَإِدَامًا وَكِسْوَةً وَسَكَنًا وَتَوَابِعَهَا) كَمَاءِ شُرْبٍ وَطَهَارَةٍ وَإِعْفَافِ مَنْ يَجِبُ إعْفَافُهُ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَالْقَصْدُ هُنَا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ النَّفَقَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى زَوْجٍ مَا لَا غِنَى لِزَوْجَتِهِ عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ...} الْآيَةَ وَهِيَ فِي سِيَاقِ أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ فَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُوسِعِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَيْ ضُيِّقَ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " {اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ نَاشِزًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَتْ (مُعْتَدَّةً مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ) لِوَاطِئٍ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ طَاوَعَتْ عَالِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النَّاشِزِ (مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى بِالْمَعْرُوفِ) بَيَانٌ لِمَا لَا غِنَى عَنْهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ. (وَيَعْتَبِرُ حَاكِمٌ ذَلِكَ إنْ تَنَازَعَا) أَيْ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ (بِحَالِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ لِلزَّوْجَةِ فَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ بِحَالِهَا كَالْمَهْرِ، لَكِنْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ...} الْآيَةَ. فَأَمَرَ الْمُوسِرَ بِالسَّعَةِ فِي النَّفَقَةِ وَرَدَّ الْفَقِيرَ إلَى اسْتِطَاعَتِهِ فَاعْتُبِرَ حَالُ الزَّوْجَيْنِ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِكِلَا الْجَانِبَيْنِ وَلِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ رَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (فَيَفْرِضُ) الْحَاكِمُ (لِمُوسِرَةٍ مَعَ مُوسِرٍ كِفَايَتَهَا خُبْزًا خَاصًّا بِأُدْمِهِ الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهَا) أَيْ الْمُوسِرَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَ) يَفْرِضُ لَهَا (لَحْمًا) وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طَبْخِهِ (عَادَةَ الْمُوسِرِينَ بِمَحِلِّهِمَا) أَيْ بَلَدِ الزَّوْجَيْنِ لِاخْتِلَافِهِ بِحَسَبِ الْمَوَاضِعِ (وَتُنْقَلُ) زَوْجَةٌ (مُتَبَرِّمَةٌ مِنْ) أُدْمٍ إلَى أُدْمٍ (غَيْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ (وَلَا بُدَّ مِنْ مَاعُونِ الدَّارِ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَكْتَفِي بِ) مَاعُونِ (خَزَفٍ وَخَشَبٍ، وَالْعَدْلُ مَا يَلِيقُ بِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ. (وَ) يَفْرِضُ حَاكِمٌ لِمُوسِرَةٍ مِنْ الْكِسْوَةِ (مَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا مِنْ حَرِيرٍ وَخَزٍّ وَجَيِّدِ كَتَّانٍ وَ) جَيِّدِ (قُطْنٍ) عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهَا مِنْ الْمُوسِرَاتِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ. (وَأَقَلُّهُ) أَيْ مَا يُفْرَضُ مِنْ الْكِسْوَةِ (قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَطَرْحَةٌ وَمِقْنَعَةٌ وَمَدَاسٌ وَجُبَّةٌ) أَيْ مُضَرَّبَةٌ (لِلشِّتَاءِ وَ) أَقَلُّ مَا يُفْرَضُ (لِلنَّوْمِ فِرَاشٌ وَلِحَافٌ وَمِخَدَّةٌ) وَإِزَارٌ فِي مَحِلٍّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالنَّوْمِ فِيهِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ (وَ) أَقَلُّ مَا يُفْرَضُ (لِلْجُلُوسِ بِسَاطٌ وَرَفِيعُ الْحُصْرِ وَ) يَفْرِضُ حَاكِمٌ (لِفَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ كِفَايَتَهَا خُبْزًا خُشْكَارًا بِأُدْمِهِ وَزَيْتَ مِصْبَاحٍ وَلَحْمَ الْعَادَةِ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُقْطِعُهَا اللَّحْمَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنْ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ " قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يَعْنِي إذَا أُكْثِرَ مِنْهُ وَمِنْهُ كُلُّ كَلْبٍ ضَارٍ (وَ) يُفْرَضُ لِفَقِيرَةٍ مِنْ كِسْوَةٍ (مَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا وَيَنَامُ فِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ وَ) يُفْرَضُ (لِمُتَوَسِّطَةٍ مَعَ مُتَوَسِّطٍ وَمُوسِرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ وَعَكْسِهَا) أَيْ مُعْسِرَةٍ مَعَ مُوسِرٍ (مَا بَيْنَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِحَالِهِمَا؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَعْلَى لِمُوسِرَةٍ تَحْتَ فَقِيرٍ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِتَكْلِيفِهِ مَا لَا يَسَعُهُ حَالُهُ وَإِيجَابُ الْأَدْنَى ضَرَرًا عَلَيْهَا فَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى، وَإِيجَابُ الْأَعْلَى لِفَقِيرَةٍ تَحْتَ مُوسِرٍ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُهَا وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ سَعَتِهِ فَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى (وَمُوسِرٌ نِصْفُهُ حُرٌّ) فِي ذَلِكَ (كَمُتَوَسِّطَيْنِ) فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَمُعْسِرٍ كَذَلِكَ) أَيْ نِصْفِ حُرٍّ (كَ) زَوْجَيْنِ (مُعْسِرَيْنِ) فِي النَّفَقَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (مُؤْنَةُ نَظَافَتِهَا مِنْ دُهْنٍ وَسِدْرٍ وَثَمَنِ مَاءٍ وَ) ثَمَنِ (مُشْطٍ وَأُجْرَةِ قَيِّمَةٍ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الَّتِي تَغْسِلُ شَعْرَهَا وَتُسَرِّحُهُ وَتُظَفِّرُهُ (وَنَحْوَهُ) كَكَنْسِ الدَّارِ وَتَنْظِيفِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ. حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ. و(لَا) يَلْزَمُهُ (دَوَاءٌ وَ) لَا (أُجْرَةُ طَبِيبٍ) إنْ مَرِضَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَاجَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ بَلْ لِعَارِضٍ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَكَذَا لَا) يَلْزَمُهُ (ثَمَنُ طِيبٍ وَحِنَّاءٍ وَخِضَابٍ وَنَحْوِهِ) كَثَمَنِ مَا يُحَمَّرُ بِهِ وَجْهٌ أَوْ يُسَوَّدُ بِهِ شَعْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ (وَإِنْ أَرَادَ مِنْهَا تَزْيِينًا بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ (أَوْ) أَرَادَ مِنْهَا (قَطْعَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَأَتَى بِهِ) أَيْ بِمَا يُرِيدُ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِهِ أَوْ بِمَا يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ (لَزِمَهَا) اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِزَوْجَتِهِ خُفٌّ وَلَا مِلْحَفَةٌ لِلْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَاجَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ (وَعَلَيْهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (تَرْكُ حِنَّاءٍ وَزِينَةٍ نَهَى عَنْهُمَا) أَيْ الزَّوْجُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لِمَنْ) أَيْ لِزَوْجَتِهِ (بِلَا خَادِمٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَيُخْدَمُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِثْلُهَا) لِيَسَارٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ. (وَلَوْ) كَانَ احْتِيَاجُهَا إلَيْهِ (لِمَرَضٍ خَادِمٍ وَاحِدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَمِنْ الْمَعْرُوفِ إقَامَةُ الْخَادِمِ لَهَا إذَنْ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَاجَتِهَا كَالنَّفَقَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ خِدْمَتُهَا فِي نَفْسِهَا، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْوَاحِدِ (وَيَجُوزَ) كَوْنُ الْخَادِمِ امْرَأَةً (كِتَابِيَّةً)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُهُ إلَيْهَا. قُلْتُ: وَكَذَا مَجُوسِيَّةٌ وَوَثَنِيَّةٌ وَنَحْوَهُمَا (وَتُلْزَمُ) الزَّوْجَةُ (بِقَبُولِهَا) أَيْ الْخَادِمِ الْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْخَادِمِ لِلزَّوْجِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ الْخَادِمِ (وَكِسْوَتُهُ) عَلَى الزَّوْجِ (كَفَقِيرَيْنِ) أَيْ كَنَفَقَةِ فَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ (مَعَ خُفٍّ وَمِلْحَفَةٍ) لِلْخَادِمِ (لِحَاجَةِ خُرُوجٍ وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْخَادِمَ (لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (إلَّا فِي نَظَافَةٍ) فَلَا يَجِبُ لِلْخَادِمِ دُهْنٌ وَلَا سِدْرٌ وَلَا. مُشْطٌ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَالتَّنْظِيفِ، وَلَا يُرَادُ ذَلِكَ مِنْ الْخَادِمِ (وَنَفَقَةُ) خَادِمٍ (مُكْرًى وَ) خَادِمٍ (مُعَارٍ عَلَى مُكْرٍ وَمُعِيرٍ) لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ، وَالْمُعِيرُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ بِإِعَارَتِهِ (وَتَعْيِينُ خَادِمٍ لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (إلَيْهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ رَضِيَا بِخِدْمَتِهِ وَأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الزَّوْجِ جَازَ وَإِنْ طَلَبَتْ مِنْهُ أُجْرَتَهُ فَوَافَقَهَا جَازَ. وَإِنْ أَبَى وَقَالَ: أَنَا آتِيك بِخَادِمٍ غَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ حَيْثُ صَلَحَ (وَ) تَعْيِينُ (سِوَاهُ) أَيْ سِوَى خَادِمِهَا (إلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَتْ) زَوْجَةٌ (أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ مَا يَجِبُ لِخَادِمِي أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (أَنَا أَخْدُمُكِ بِنَفْسِي وَأَبَى الْآخَرُ) أَيْ الزَّوْجُ فِي الْأُولَى وَالزَّوْجَةُ فِي الثَّانِيَة (لَمْ يُجْبَرْ) الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا، أَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّ فِي إخْدَامِهَا غَيْرَهَا تَوْفِيرًا لَهَا عَلَى حُقُوقِهِ وَتَرَفُّهًا لَهُ وَرَفْعًا لِقَدْرِهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ غَرَضَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَشِمُهُ وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا. (وَيَلْزَمُهُ) لِزَوْجَتِهِ (مُؤْنِسَةٌ لِحَاجَةٍ) كَخَوْفِ مَكَانِهَا، وَعَدُوٍّ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ إقَامَتُهَا بِمَكَانٍ لَا تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَتَعْيِينُ الْمُؤْنِسَةِ إلَى الزَّوْجِ، وَيَكْتَفِي هُوَ بِتَوْنِيسِهِ هُوَ لَهَا و(لَا) يَلْزَمُهُ (أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُ) زَوْجَةً (مَرِيضَةً)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ (بِخِلَافِ رَقِيقِهِ) الْمَرِيضِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ لِتَمَلُّكِهِ إيَّاهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَهِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَلَا دَخْلَ لِلْوُضُوءِ فِيهِ.
وَالْوَاجِبُ عَلَى زَوْجٍ دَفْعُ قُوتٍ مِنْ خُبْزٍ وَأُدْمٍ وَنَحْوَهُ لِزَوْجَةٍ وَخَادِمِهَا وَكُلِّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ (لَا) دَفْعُ (بَدَلِهِ) أَيْ الْقُوتِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ فُلُوسٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولٌ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا لِحَاجَتِهَا إلَى مَا يَشْتَرِيهِ لَهَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ أَوْ فِيهِ مَشَقَّةٌ بِخُرُوجِهَا لَهُ أَوْ تَكْلِيفُ مَنْ يَمُنُّ عَلَيْهَا بِهِ (وَلَا) دَفْعُ (حَبٍّ) وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْلِيفِهَا طَحْنَهُ وَعَجْنَهُ وَخَبْزَهُ. وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} قَالَ: الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، وَأَفْضَلُ مَا تُطْعِمُونَهُنَّ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْإِيجَابِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَقْيِيدٍ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ دَفْعُ الْقُوتِ وَكَنَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ فَإِنْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ (وَيَكُونُ) الدَّفْعُ (أَوَّلَ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ) أَيْ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ (وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلٍ وَتَأْخِيرٍ) عَنْ وَقْتِ وُجُوبٍ (وَ) مِنْ (دَفْعِ عِوَضٍ) كَدَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ التَّرَاضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى) مِنْهُمَا ذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ. (وَلَا يَمْلِكُ حَاكِمٌ) تَرَافَعَ إلَيْهِ زَوْجَانِ (فَرْضَ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمَ مَثَلًا إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُجْبَرُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْهَدْيِ أَمَّا فَرْضُ الدَّرَاهِمِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَا عَنْ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ (وَفِي الْفُرُوعِ) وَهَذَا مُتَّجِهٌ مَعَ. عَدَمِ الشِّقَاقِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ (فَأَمَّا مَعَ الشِّقَاقِ وَالْحَاجَةِ كَالْغَائِبِ مَثَلًا فَيَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ (وَلَا يُعْتَاضُ عَنْ) الْوَاجِبِ (الْمَاضِي بِرِبَوِيٍّ) كَأَنْ عَوَّضَهَا عَنْ الْخُبْزِ حِنْطَةً أَوْ دَقِيقُهَا فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا. (وَ) الْوَاجِبُ دَفْعُ (كِسْوَةٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَنَحْوِهِمَا) كَسِتَارَةٍ يُحْتَاجُ إلَيْهَا (أَوَّلَ كُلِّ عَامٍ مِنْ زَمَنِ الْوُجُوبِ)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَيُعْطِيهَا السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْدِيدُ الْكِسْوَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ يَبْلَى. (وَتَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (ذَلِكَ) أَيْ وَاجِبَ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ (بِقَبْضٍ) كَمَا يَمْلِكُ رَبُّ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ (فَلَا بَدَلَ) عَلَى زَوْجٍ (لِمَا سُرِقَ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ بَلِيَ) مِنْهُ كَالدَّيْنِ يَفِيهِ فَيَضِيعُ مِنْ قَابِضِهِ (وَ) تَمْلِكُ (التَّصَرُّفَ فِيهِ) أَيْ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا) وَلَا يُنْهِكُ بَدَنَهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِ كَسَائِرِ مَالِهَا فَإِنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا أَوْ نَقَصَ فِي اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا لَمْ تَمْلِكْهُ بَلْ تُمْنَعُ مِنْهُ لِتَفْوِيتِ حَقِّ زَوْجِهَا بِهِ. (وَإِنْ أَكَلَتْ) زَوْجَةٌ (مَعَهُ) أَيْ زَوْجِهَا (عَادَةً أَوْ كَسَاهَا بِلَا إذْنٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيُّهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (سَقَطَتْ) نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرْضِ نَحْوِ دَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَتِهَا فَإِنْ ادَّعَتْ تَبَرُّعَهُ بِذَلِكَ حَلَفَ (وَمَتَى انْقَضَى الْعَامُ وَالْكِسْوَةُ) الَّتِي قَبَضَتْهَا لَهُ (بَاقِيَةٌ فَعَلَيْهِ كِسْوَةٌ لِ) الْعَامِ (الْجَدِيدِ) اعْتِبَارًا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دُونَ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ بَلِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهَا كِسْوَةً لَمْ تَسْقُطْ كِسْوَتُهَا وَكَذَا لَوْ أَهْدَى إلَيْهَا مَا أَكَلَتْهُ وَبَقِيَ قُوتُهَا إلَى الْغَدِ لَمْ يَسْقُطْ قُوتُهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَاعُونٍ وَنَحْوِهِ كَمُشْطٍ إذَا انْقَضَى الْعَامُ وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ غِطَاءً وَوِطَاءً، وَقَوَّاهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ. (وَإِنْ قَبَضَتْهَا) أَيْ الْكِسْوَةَ (ثُمَّ مَاتَ) الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعَامِ (أَوْ مَاتَتْ) قَبْلَ مُضِيِّهِ (أَوْ بَانَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْعَامِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ (وَكَذَا نَفَقَةٌ تَعَجَّلَهَا) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ أَوْ بَانَتْ. قَبْلَ مُضِيِّهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ مَا بَقِيَ (لَكِنْ لَا يَرْجِعُ) زَوْجٌ عَجَّلَ نَفَقَةً (بِبَقِيَّةِ) نَفَقَةٍ (يَوْمَ الْفُرْقَةِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِطُلُوعِ نَهَارِهِ فَإِنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالْأَظْهَرُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا ثَانِيًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ (إلَّا عَلَى نَاشِزٍ) فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ قَبَضَتْ نَفَقَتَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَاقِيهِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ طَاعَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا فَلَا تُعْطِيهِ شَيْئًا (وَيُرْجَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى زَوْجَةٍ (بِبَقِيَّتِهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (مِنْ مَالِ غَائِبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِظُهُورِهِ) أَيْ مَوْتِهِ لِارْتِفَاعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ مَا قَبَضَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَقَضَاءِ وَكِيلٍ حَقًّا يَظُنُّهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَبَانَ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ مَا بَعْدَ إبَانَتِهِ إيَّاهَا. (وَمَنْ غَابَ) عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً (وَلَمْ يُنْفِقْ) عَلَيْهَا فِيهَا (لَزِمَهُ) نَفَقَةُ الزَّمَنِ (الْمَاضِي) لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ (وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٍ)؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأُجْرَةِ الْعَقَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهَا صِلَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا يَسَارُ الْمُنْفِقِ وَإِعْسَارُ مَنْ تَجِبُ لَهُ وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ حَاضِرًا، وَذِمِّيَّةٌ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ كَمُسْلِمَةٍ لِعُمُومِ النُّصُوصِ.
وَمُطَلَّقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَزَوْجَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَا فِيمَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لِقَوْلِهِ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وَلِأَنَّهَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَبَائِنٌ حَامِلٌ كَزَوْجَةٍ) لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. وَفِي بَعْضِ أَخْبَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ " {لَا نَفَقَةَ لَكِ إلَّا إنْ تَكُونِي حَامِلًا}، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ وَلَدُ الْمُبِينِ فَلَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَوَجَبَ كَأُجْرَةِ الرَّضَاعِ (وَتَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ) لُوعِنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتِفْ بِلِعَانِهَا إذَنْ (إلَى أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ) آخَرَ (بَعْدَ وَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ فَتَسْقُطُ فَإِنْ عَادَ وَاسْتَلْحَقَهُ لَزِمَهُ مَا مَضَى (وَمَنْ أَنْفَقَ) عَلَى بَائِنٍ مِنْهُ (يَظُنُّهَا حَامِلًا فَبَانَتْ حَائِلًا) غَيْرَ حَامِلٍ (رَجَعَ) عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا لِأَخْذِهَا مَا لَا تَسْتَحِقُّهُ كَأَخْذِ دَيْنٍ ادَّعَاهُ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُ، وَكَذَا إنْ ادَّعَتْهُ رَجْعِيَّةٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ عِدَّتِهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ رَجَعَ بِالزَّائِدِ (وَمَنْ تَرَكَهُ) أَيْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مُبَانَتِهِ (يَظُنُّهَا حَائِلًا فَبَانَتْ حَامِلًا لَزِمَهُ) نَفَقَةُ مَا مَضَى لِتَبَيُّنِ اسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِيهِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا كَالدَّيْنِ وَظَاهِرُهُ. وَلَوْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَأَنَّهَا تَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (وَمَنْ) أَيْ مُبَانَةٍ وَنَحْوَهَا (ادَّعَتْ حَمْلًا) لَهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (إنْفَاقُ) تَمَامِ (ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) مِنْ ابْتِدَاءِ زَمَنٍ ذَكَرَتْهُ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ (فَإِنْ مَضَتْ) الثَّلَاثَةُ أَشْهُرٍ (وَلَمْ يَبِنْ) الْحَمْلُ كَأَنْ أُرِيَتْ الْقَوَابِلُ فَقُلْنَ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ (رَجَعَ) عَلَيْهَا بِنَظِيرِ مَا أَنْفَقَهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ. وُجُوبِهِ. وَكَذَا إنْ حَاضَتْ وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أُرِيَتْ الْقَوَابِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَادَةً إذَنْ فَإِنْ شَهِدَتْ بِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا (بِخِلَافِ نَفَقَةٍ فِي نِكَاحٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ) لِنَحْوِ رَضَاعٍ أَوْ عِدَّةٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ (وَ) بِخِلَافِ نَفَقَةٍ (عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ) لَمْ تَأْذَنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا رُجُوعَ. وَكَذَا مَنْ أَنْفَقَ فِي نِكَاحٍ مَعْلُومٍ فَسَادُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ عَدَمَ الْوُجُوبِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. وَإِلَّا فَهُوَ مُفَرِّطٌ (وَالنَّفَقَةُ) عَلَى الْحَامِلِ (لِلْحَمْلِ) نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجَلِهِ فَتَجِبُ بِوُجُودِهِ وَتَسْقُطُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ. قُلْت: فَلَوْ مَاتَ بِبَطْنِهَا انْقَطَعَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ لِمَيِّتٍ (فَتَجِبُ) النَّفَقَةُ لِنَاشِزٍ حَامِلٍ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ فَلَا تَسْقُطُ بِنُشُوزِ أُمِّهِ. (وَ) تَجِبُ (لِحَامِلٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِلُحُوقِ نَسَبِهِ فِيهِمَا (وَ) لِحَامِلٍ فِي (مِلْكِ يَمِينٍ وَلَوْ أَعْتَقَهَا)؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ وَهُوَ وَلَدُهُ (وَ) تَجِبُ (عَلَى وَارِثِ) حَمْلٍ مِنْ (زَوْجٍ) وَسَيِّدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (مَيِّتٍ) لِلْقَرَابَةِ (وَ) تَجِبُ نَفَقَةُ حَامِلٍ (مِنْ مَالِ حَمْلٍ مُوسِرٍ)؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ تَلِفَتْ) نَفَقَتُهُ بِيَدِ حَامِلٍ بِلَا تَفْرِيطٍ (وَجَبَ) عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْحَمْلِ (بَدَلُهَا)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهَا فَلَا تَضْمَنُهَا (وَلَا فِطْرَةَ لَهَا)؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ. وَالْحَمْلُ (لَا تَجِبُ) فِطْرَتُهُ. (وَلَا تَجِبُ) نَفَقَةُ حَمْلٍ (عَلَى زَوْجٍ رَقِيقٍ) لِوَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى وَارِثِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَعَلَى مَالِكِهِ (أَوْ مُعْسِرٍ أَوْ غَائِبٍ) أَيْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ حَمْلِهِ، بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَانٍ كَالْمَوْلُودِ (وَلَا) تَجِبُ نَفَقَةُ حَمْلٍ (عَلَى وَارِثِ). الْحَمْلِ كَأَخِيهِ (مَعَ عُسْرِ زَوْجٍ) هُوَ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ لِإِعْسَارِهِ. قُلْت بَلْ تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الْحَمْلِ كَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ؛ لِأَنَّ عَمُودَيْ النَّسَبِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ وَإِنْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ كَمَا يَأْتِي (وَتَسْقُطُ) نَفَقَةُ حَمْلٍ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ مَا لَمْ تَسْتَدِنْ) حَامِلٌ عَلَى أَبِيهِ (بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ تُنْفِقْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ انْتَهَى) فَتَرْجِعُ لِتَفْوِيتِهَا فِي الْأُولَى بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَلِأَدَائِهَا عَنْهُ وَاجِبًا فِي الثَّانِيَة وَفِيهِ شَيْءٌ (فَإِنْ وُطِئَتْ) مُطَلَّقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ) فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ بَانَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ (مِنْهُمَا) أَيْ الْمُطَلِّقِ وَالْوَاطِئِ (فَنَفَقَتُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمَلَهَا، وَلَا تَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا) بِشَيْءٍ فِي الْأَصَحِّ (كَبَائِنٍ مُعْتَدَّةٍ) وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. (وَمَتَى ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ الْحَمْلِ (مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ الرَّجُلَيْنِ، وَهُمَا الْمُطَلِّقُ وَالْوَاطِئُ فِي الْعِدَّةِ (رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ) الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ الْحَمْلُ مِنْهُ (بِمَا أَنْفَقَ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْحَمْلِ مِنْهُ لَا مُتَبَرِّعًا فَإِذَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مَلَكَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا حَمَلَتْ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْوَاطِئِ دُونَ زَوْجِهَا إذْ الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فَلَوْلَا سُقُوطُ نَفَقَتِهَا بِالْحَمْلِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَرَجَعَتْ عَلَى مُطَلِّقِهَا بِنَفَقَتِهَا. (وَلَا نَفَقَةَ لِبَائِنٍ غَيْرِ حَامِلٍ) لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ " {أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْهُ شَيْءٌ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ} " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {اُنْظُرِي يَا ابْنَةَ قَيْسٍ إنَّمَا النَّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ الرَّجْعَةُ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى} " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ وَالْحُمَيْدِيُّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ. وَلَا شَيْءَ يَدْفَعُ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (وَلَا) نَفَقَةَ (مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا (أَوْ لِأُمِّ وَلَدٍ) مَاتَ سَيِّدُهَا (وَلَا سُكْنَى وَلَا كِسْوَةَ) لَهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (حَامِلًا) لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلَا سَبَبَ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ (كَزَانِيَةٍ) حَامِلٍ مِنْ زِنًا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَانٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَلْحَقُهُ.
وَمَتَى تَسَلَّمَ زَوْجٌ مَنْ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُهَا وَهِيَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا أَيْ بِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا (أَوْ بَذَلَتْهُ) أَيْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لِلزَّوْجِ تَسْلِيمًا تَامًّا (هِيَ أَوْ وَلِيٌّ) لَهَا (وَلَوْ مَعَ صِغَرِ زَوْجٍ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ عُنَّتِهِ أَوْ جُبَّ) أَيْ قُطِعَ (ذَكَرُهُ) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ (أَوْ) مَعَ (تَعَذُّرِ وَطْءٍ) مِنْهَا (لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ رَتَقٍ أَوْ قَرَنٍ أَوْ لِكَوْنِهَا نِضْوَةً) أَيْ نَحِيفَةَ الْخِلْقَةِ (أَوْ مَرِيضَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ " {وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} " وَيُجْبَرُ وَلِيٌّ مَعَ صِغَرِ زَوْجٍ عَلَى بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ كَأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ وَدُيُونِهِ (لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَتْ) زَوْجَةٌ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ (ثُمَّ مَرِضَتْ فَبَذَلَتْهُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) مَا دَامَتْ مَرِيضَةً عُقُوبَةً لَهَا بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا فِي حَالٍ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيهَا، وَبَذْلِهَا فِي ضِدِّهَا (وَمَنْ بَذَلَتْهُ) أَيْ التَّسْلِيمَ (وَزَوْجُهَا غَائِبٌ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا) حَاكِمٌ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زَوْجَهَا تَسْلِيمُهَا إذَنْ (حَتَّى يُرَاسِلَهُ حَاكِمٌ) بِأَنْ يَكْتُبَ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَيُعْلِمَهُ وَيَسْتَدْعِيَهُ (وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ قُدُومُهُ) أَيْ زَوْجِهَا الْغَائِبِ (فِي مِثْلِهِ) فَإِنْ سَارَ إلَيْهَا أَوْ وَكَّلَ مَنْ لَهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ إذَنْ بِالْوُصُولِ وَإِلَّا فَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ نَفَقَتَهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ وُصُولُهُ إلَيْهَا فِيهِ، وَإِنْ غَابَ زَوْجُهَا بَعْدَ تَمْكِينِهَا إيَّاهُ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ بِغَيْبَتِهِ. وَإِنْ تَسَلَّمَ زَوْجَةً صَغِيرَةً يُوطَأُ مِثْلَهَا أَوْ مَجْنُونَةً كَذَلِكَ وَلَوْ بِدُونِ إذْنِ وَلِيُّهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا كَالْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ (وَمَنْ امْتَنَعَتْ) مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا (أَوْ مَنَعَهَا غَيْرُهَا) وَتَكُونُ نَفَقَتُهَا عَلَى الْمَانِعِ لَهَا وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (بَعْدَ دُخُولٍ وَلَوْ لِقَبْضِ صَدَاقِهَا) الْحَالِّ (فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) وَكَذَا إنْ تَسَاكَنَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْجُ وَلَمْ تَبْذُلْ نَفْسَهَا وَلَا بَذَلَهَا وَلِيُّهَا، وَإِنْ طَالَ مُقَامُهَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ. (وَمَنْ سَلَّمَ أَمَتَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فَ) هِيَ (كَحُرَّةٍ) لِعُمُومِ النَّصِّ (وَلَوْ أَبَى زَوْجٌ) مِنْ تَسَلُّمِهَا نَهَارًا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مُمَكِّنَةٌ مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَتَوَابِعَهَا عِوَضٌ وَاجِبٌ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ كَالْمَهْرِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَالْمُطَالَبُ بِهَا سَيِّدُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) مَنْ سَلَّمَ أَمَتَهُ لِزَوْجِهَا (لَيْلًا فَقَطْ فَنَفَقَتُهَا نَهَارًا عَلَى سَيِّدٍ)؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ وَالزَّوْجُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهَا إذَنْ. (وَ) نَفَقَةُ (لَيْلٍ كَعَشَاءٍ وَوِطَاءٍ وَغِطَاءٍ وَدُهْنِ مِصْبَاحٍ وَنَحْوِهِ) كَوِسَادَةٍ (عَلَى زَوْجٍ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وَهِيَ مُسَلَّمَةٌ فِيهِ لَهُ (وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهَا) أَيْ الْأَمَةِ لِزَوْجِهَا (نَهَارًا فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلتَّفَرُّغِ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلْإِينَاسِ وَلِهَذَا كَانَ عِمَادَ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ اللَّيْلُ. قُلْتُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ كَانَ زَوْجُهَا حَارِسًا وَسَلَّمَتْ لَهُ نَهَارًا صَحَّ. (وَلَا نَفَقَةَ لِ) زَوْجَةٍ (نَاشِزٍ وَلَوْ) كَانَ نُشُوزُهَا (بِنِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ) فَسَقَطَ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا بِتَزَوُّجِهَا فِي عِدَّتِهَا لِنُشُوزِهَا، وَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا تَصِيرُ بِهِ فِرَاشًا لِلثَّانِي وَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ عِدَّةُ الْأَوَّلِ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ (وَتُشْطَرُ) النَّفَقَةُ (لِنَاشِزٍ لَيْلًا) بِأَنْ تُطِيعَ نَهَارًا وَتَمْتَنِعَ لَيْلًا (أَوْ) نَاشِزٍ (نَهَارًا) فَقَطْ بِأَنْ تُطِيعَهُ لَيْلًا وَلَا تُطِيعَهُ نَهَارًا فَتُعْطَى نِصْفَ نَفَقَتِهَا (أَوْ) نَاشِزٍ (بَعْضَ أَحَدِهِمَا) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَتُعْطَى نِصْفَ نَفَقَتِهَا أَيْضًا لَا بِقَدْرِ " الْأَزْمِنَةِ لِعُسْرِ التَّقْدِيرِ بِالْأَزْمِنَةِ. (وَبِمُجَرَّدِ إسْلَامِ) زَوْجَةٍ (مُرْتَدَّةٍ) مَدْخُولٍ بِهَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا (وَ) بِمُجَرَّدِ إسْلَامِ زَوْجَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (مُتَخَلِّفَةٍ) عَنْ زَوْجِهَا فِي عِدَّتِهَا بِأَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا (وَلَوْ فِي غَيْبَةِ زَوْجٍ تَلْزَمُهُ) نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ النَّفَقَةِ فِيهَا لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا كَسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ فَإِذَا رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ فَعَادَتْ النَّفَقَةُ و(لَا) يَلْزَمُ زَوْجًا غَائِبًا النَّفَقَةُ (إنْ أَطَاعَتْ نَاشِزٌ فِي غَيْبَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ) الزَّوْجُ بِطَاعَتِهَا (وَيَمْضِي مَا) أَيْ زَمَنٌ (يَقْدَمُ) الزَّوْجُ (فِي مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّمْكِينِ فَالْمَنْعُ مُسْتَمِرٌّ مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا قَدِمَ وَعَلِمَ عَادَتْ النَّفَقَةُ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ وَمَضَى زَمَنٌ يَقْدَمُ فِي مِثْلِهِ عَادَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَنْ مِنْ جِهَتِهِ. (وَلَا نَفَقَةَ لِمَنْ) أَيْ زَوْجَةٍ (سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا) وَلَوْ بِإِذْنِهِ (أَوْ) سَافَرَتْ (لِنُزْهَةٍ) وَلَوْ بِإِذْنِهِ (أَوْ) سَافَرَتْ (لِزِيَارَةٍ وَلَوْ بِإِذْنِهِ) لِتَفْوِيتِهَا التَّمْكِينَ لِحَظِّ نَفْسِهَا وَقَضَاءِ أَرَبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا مَعَهَا مُتَمَكِّنًا مِنْهَا (أَوْ) سَافَرَتْ (لِتَغْرِيبٍ) بِأَنْ زَنَتْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا فَغُرِّبَتْ، وَكَذَا لَوْ قُطِعَتْ الطَّرِيقُ فَشُرِّدَتْ فَلَا نَفَقَةَ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ (أَوْ حُبِسَتْ) عَنْ زَوْجِهَا (وَلَوْ) كَانَ حَبْسُهَا (ظُلْمًا) فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا (أَوْ صَامَتْ لِكَفَّارَةٍ أَوْ) صَامَتْ (قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَوَقْتُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (مُتَّسِعٌ أَوْ صَامَتْ نَفْلًا أَوْ حَجَّتْ نَفْلًا) فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِمَنْعِ نَفْسِهَا بِسَبَبٍ لَا مِنْ جِهَتِهِ (أَوْ) صَامَتْ أَوْ حَجَّتْ (نَذْرًا مُعَيَّنًا فِي وَقْتِهِ فِيهِمَا) أَيْ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ (بِلَا إذْنِهِ وَلَوْ أَنَّ نَذْرَهُمَا بِإِذْنِهِ) لِتَفْوِيتِهِمَا حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِاخْتِيَارِهَا بِالنَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ. الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَلَا نَدَبَهَا إلَيْهِ (بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَتْ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (بِفَرِيضَةِ) حَجٍّ (أَوْ مَكْتُوبَةِ) صَلَاةٍ (فِي وَقْتِهَا بِسُنَنِهَا) وَلَوْ فِي أَوَّلِهِ لِفِعْلِهَا مَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَنَدَبَهَا إلَيْهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ (وَقَدْرُهَا) أَيْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (فِي حَجِّ فَرْضٍ) إذَا سَافَرَتْ لِحَجِّ الْفَرْضِ (كَ) نَفَقَةِ (حَضَرٍ) وَمَا زَادَ عَلَيْهَا (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا بِمَا ادَّعَاهُ (فِي بَذْلِ تَسْلِيمِ) زَوْجَةٍ لِزَوْجٍ (حَلَفَ) زَوْجٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ تَسْلِيمٍ بِأَنْ قَالَ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مُنْذُ شَهْرٍ وَقَالَتْ: بَلْ مُنْذُ سِتَّةٍ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا تَدَّعِيهِ زَائِدًا عَنْ مَا يُقِرُّ بِهِ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي نُشُوزِ زَوْجَةٍ أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (أَخْذِ نَفَقَةٍ) بِأَنْ ادَّعَى الزَّوْجُ نُشُوزَهَا أَوْ أَنَّهَا أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا وَأَنْكَرَتْ (حَلَفَتْ)؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مَثَلًا بِدَارِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا زَائِدًا عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَصَاغٍ وَقَلَائِدَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَلَكَتْهُ فَلَا رُجُوعَ بِهِ إنْ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بَلْ لِتَتَجَمَّلَ بِهِ فَقَطْ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ طَلَّقَهَا أَوْ لَا.
وَمَتَى أَعْسَرَ زَوْجُ بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ (أَوْ) أَعْسَرَ بِ (كِسْوَتِهِ) أَيْ الْمُعْسِرِ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِبَعْضِهِمَا) أَيْ بَعْضِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ وَكِسْوَتِهِ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِمَسْكَنِهِ) أَيْ الْمُعْسِرُ خُيِّرَتْ (أَوْ صَارَ) الزَّوْجُ (لَا يَجِدُ النَّفَقَةَ) لِزَوْجَتِهِ (إلَّا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ خُيِّرَتْ) الزَّوْجَةُ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ الْغَالِبِ بِذَلِكَ بِهَا إذْ الْبَدَنُ لَا يَقُومُ بِدُونِ كِفَايَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً بَالِغَةً رَشِيدَةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً (دُونَ سَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهَا) فَلَا خِيَرَةَ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِهَا (بَيْنَ فَسْخِ) نِكَاحِ الْمُعْسِرِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَالْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ النَّفَقَةِ لَيْسَ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " {فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا} " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَلِأَنَّ جَوَازَ الْفَسْخِ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ النَّفَقَةِ لِقِلَّةِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ فَقْدُ شَهْوَةٍ يَقُومُ الْبَدَنُ بِدُونِهَا فَتَمْلِكُ الْفَسْخَ (فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا)؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ (وَ) بَيْنَ (مُقَامٍ) مَعَهُ (مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا) بِأَنْ لَا تُمَكِّنَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَهُ (وَبِدُونِهِ) أَيْ دُونِ مَنْعِ نَفْسِهَا مِنْهُ بِأَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (وَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبًا وَلَا يَحْبِسُهَا) مَعَ عُسْرَتِهِ إذَا لَمْ تَفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إذَا. كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا عَنْهُ (وَلَهَا) أَيْ زَوْجَةِ الْمُعْسِرِ (الْفَسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ رِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ لِتَجَدُّدِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ فَيُجَدَّدُ لَهَا مِلْكُ الْفَسْخِ كَذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا نَفَقَتَهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا كَإِسْقَاطٍ لِشَفِيعٍ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَإِسْقَاطِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ قَبْلَ النِّكَاحِ (وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: رَضِيتُ عُسْرَتَهُ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِهَا) أَيْ بِعُسْرَتِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ لِمَا يَتَجَدَّدُ لَهَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ (وَتَبْقَى نَفَقَةُ مُعْسِرٍ وَكِسْوَتُهُ وَمَسْكَنُهُ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَقَامَتْ) مَعَهُ (وَلَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا) مِنْهُ (دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) لِوُجُوبِهَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ كَالْأُجْرَةِ وَيَسْقُطُ مَا زَادَ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ. (وَمَنْ قَدَرَ يَكْتَسِبُ) مَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَتَرَكَهُ (أُجْبِرَ) عَلَيْهِ كَالْمُفْلِسِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَوْلَى. (وَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) مِنْ الْأَزْوَاجِ (كَسْبٌ) فِي بَعْضِ زَمَنِهِ (أَوْ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ (بَيْعٌ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ) أَيَّامًا يَسِيرَةً فَلَا فَسْخَ (أَوْ مَرِضَ) أَيَّامًا يَسِيرَةً فَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَلَا فَسْخَ لِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِرَاضُ إلَى زَوَالِ الْمُعَارِضِ (أَوْ عَجَزَ عَنْ اقْتِرَاضٍ أَيَّامًا يَسِيرَةً) فَلَا فَسْخَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ (أَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِنَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ) بِنَفَقَةِ (مُتَوَسِّطٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِأُدْمٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ فَلَا فَسْخَ) لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَنْ ذَلِكَ (وَتَبْقَى نَفَقَتُهُمْ) أَيْ الْمُوسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْخَادِمِ (وَ) يَبْقَى (الْأُدْمُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالصَّدَاقِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا فَلَهُ احْتِسَابُهُ مِنْ نَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ مَنَعَ) زَوْجٌ (مُوسِرٌ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً أَوْ بَعْضَهُمَا) عَنْ زَوْجَتِهِ (وَقَدَرَتْ عَلَى) أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ (مَالِهِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ (أَخَذَتْ كِفَايَتَهَا وَكِفَايَةَ وَلَدِهَا وَنَحْوَهُ) كَخَادِمِهَا (عُرْفًا) أَيْ بِالْمَعْرُوفِ (بِلَا إذْنِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةُ " حِينَ {قَالَتْ لَهُ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ} " فَرَخَّصَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ إذْ لَا غِنَى عَنْ النَّفَقَةِ وَلَا قِوَامَ إلَّا بِهَا وَتَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَنِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ. (وَلَا تَقْتَرِضُ) امْرَأَةٌ لِوَلَدٍ (عَلَى أَبِيهِ) وَلَوْ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ إشْغَالٌ لِذِمَّتِهِ بِدُونِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَيَأْتِي لَوْ غَابَ زَوْجٌ فَاسْتَدَانَتْ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ رَجَعَتْ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ (وَلَا يُنْفَقُ عَلَى صَغِيرٍ مِنْ مَالِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ (بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ)؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُهُ الْمُنْفِقُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ (وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) زَوْجَةُ مُوسِرٍ مَنَعَهَا مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ فَلَهَا رَفْعُهُ إلَى حَاكِمٍ فَيَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ لَهَا فَإِنْ امْتَنَعَ (أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) عَلَيْهِ (فَإِنْ أَبَى) الدَّفْعَ (حَبَسَهُ أَوْ دَفَعَهَا) أَيْ النَّفَقَةَ لِزَوْجَتِهِ (مِنْهُ) أَيْ مَالِهِ (يَوْمًا بِيَوْمٍ) حَيْثُ أَمْكَنَ لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عَرَضًا أَوْ عَقَارًا بَاعَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ. (فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ) فَلَهَا الْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ كَالْمُعْسِرِ (أَوْ غَابَ مُوسِرٌ) عَنْ زَوْجَتِهِ (وَتَعَذَّرَتْ نَفَقَتُهُ) عَلَيْهَا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَمْ يُقْدَرْ لَهُ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا تَحْصِيلُ نَفَقَتِهَا (بِاسْتِدَانَةٍ) أَيْ اقْتِرَاضٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَيْهِ (وَغَيْرِهَا فَلَهَا الْفَسْخُ) لِتَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ كَحَالِ الْإِعْسَارِ بَلْ أَوْلَى وَلِأَنَّ فِي الصَّبْرِ ضَرَرًا أَمْكَنَ إزَالَتُهُ بِالْفَسْخِ فَوَجَبَتْ إزَالَتُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَلَا يَصِحُّ) الْفَسْخُ (فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا حَاكِمٍ فَيَفْسَخُ) الْحَاكِمُ بِطَلَبِهَا أَوْ تَفْسَخُ (بِأَمْرِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فَسْخٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ كَتَفْرِيقِهِ لِلْعُنَّةِ (وَلَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (بَيْعُ عَقَارٍ وَعَرَضٍ لِغَائِبٍ) تَرَكَ زَوْجَتَهُ بِلَا. نَفَقَةٍ وَلَا مُنْفِقٍ (إنْ لَمْ يَجِدْ) الْحَاكِمُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ثَمَنِ الْعَقَارِ وَالْعَرَضِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيُنْفِقُ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهَا) أَيْ امْرَأَةِ الْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ (يَوْمًا بِيَوْمٍ) كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَائِبِ. (وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يُعَجِّلَ لَهَا (أَكْثَرَ) مِنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَقَدْ يَقْدَمُ أَوْ تَبِينُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ (ثُمَّ إنْ بَانَ) الْغَائِبُ (مَيِّتًا قَبْلَ إنْفَاقِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ عَلَيْهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (حُسِبَ عَلَيْهَا) مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا (مَا أَنْفَقَتْهُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ، وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ) الَّذِي يَصِيرُ بِأَخْذِهِ مُوسِرًا (فَ) هُوَ (مُوسِرٌ) كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا وَحَدِيثُ هِنْدٍ " {خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ} " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا " {إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ} " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ بَعْضُهُ وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَهْلِهِ. (وَتَجِبُ) النَّفَقَةُ (كَامِلَةً) إنْ كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُنْفِقِ مَنْ يُشْرِكُهُ فِي الْإِنْفَاقِ (أَوْ إكْمَالُهَا) إنْ وَجَدَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ بَعْضَهَا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ كَوْنُ مُنْفِقٍ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبِهِ أَوْ وَارِثًا لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لِأَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا وَوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ حَتَّى ذِي الرَّحِمِ مِنْهُمْ) أَيْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ (حَجَبَهُ) أَيْ الْغَنِيَّ مِنْهُمْ (مُعْسِرٌ) كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ أَبٍ مُعْسِرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَحْجُبْهُ مُعْسِرٌ كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ عَدَمِ أَبٍ وَكَذَا جَدٌّ مَعَ ابْنِ بِنْتِهِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تُوجِبُ الْعِتْقَ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ أَشْبَهَ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ. (وَ) تَجِبُ النَّفَقَةُ (لِكُلِّ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (يَرِثُهُ) قَرِيبُهُ الْغَنِيُّ (بِفَرْضٍ) كَأَخٍ الْأُمِّ (أَوْ تَعْصِيبٍ) كَابْنِ عَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (لَا بِرَحِمٍ) كَخَالٍ (مِمَّنْ سِوَى عَمُودِيِّ نَسَبِهِ سَوَاءٌ وَرِثَهُ الْآخَرُ كَأَخٍ) لِلْغَنِيِّ (أَوْ لَا كَعَمَّةٍ وَعَتِيقٍ) فَإِنَّ الْعَمَّةَ لَا تَرِثُ ابْنَ أَخِيهَا. بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ وَهُوَ يَرِثُهَا بِالتَّعْصِيبِ وَكَذَا الْعَتِيقُ لَا يَرِثُ مَوْلَاهُ وَهُوَ يَرِثُهُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ (بِمَعْرُوفٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فَأَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الرَّضَاعِ ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى الْأَبِ وَلِحَدِيثِ " {مَنْ أُبِرُّ؟ قَالَ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ} ". وَفِي لَفْظٍ " {وَمَوْلَاكَ الَّذِي هُوَ أَدْنَاكَ حَقًّا وَاجِبًا وَرَحِمًا مَوْصُولًا} " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأَلْزَمَهُ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ الصِّلَةِ وَقَدْ جَعَلَهَا حَقًّا وَاجِبًا. الشَّرْطُ الثَّانِي حَاجَةُ مُنْفَقٍ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مَعَ فَقْرِ مَنْ تَجِبُ لَهُ وَعَجْزِهِ عَنْ تَكَسُّبٍ)؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَالْغَنِيُّ يَمْلِكُهَا وَالْقَادِرُ بِالتَّكَسُّبِ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا (وَلَا يُعْتَبَرُ نَقْصُهُ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ فِي خَلْقِهِ كَزَمِنٍ أَوْ حُكْمٍ كَصِغَرٍ وَجُنُونٍ (فَتَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِصَحِيحٍ مُكَلَّفٍ لَا حِرْفَةَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَفْضُلَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ عَنْ حَاجَتِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (إذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ نَفْسِهِ) أَيْ الْمُنْفِقِ (وَ) قُوتِ (زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى) لَهُمْ (مِنْ حَاصِلٍ) بِيَدِهِ (أَوْ مُتَحَصِّلٍ) مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ أُجْرَةِ عَقَارٍ أَوْ رِيعِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ عَمَّنْ ذَكَرَ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " {إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى قَرَابَتِهِ} ". وَفِي لَفْظٍ " {ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ} " حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ مَعَ الْحَاجَةِ و(لَا). تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى قَرِيبٍ (مِنْ رَأْسِ مَالٍ) تِجَارَةٍ لِنَقْصِ الرِّبْحِ بِنَقْصِ رَأْسِ مَالِهِ وَرُبَّمَا أَغْنَتْهُ النَّفَقَةُ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا (وَ) لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ (ثَمَنِ مِلْكٍ وَ) لَا مِنْ ثَمَنِ (آلَةِ عَمَلٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ قَدَرَ يَكْتَسِبُ) بِحَيْثُ يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى قَرِيبِهِ (أُجْبِرَ) عَلَى تَكَسُّبٍ (لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ)؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ تَضْيِيعٌ لِمَنْ يَعُولُ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ و(لَا) تُجْبَرُ (امْرَأَةٌ عَلَى نِكَاحٍ) إذَا رُغِبَ فِيهَا بِمَهْرٍ لِتُنْفِقَهُ عَلَى قَرِيبِهَا الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِ الْمَالِ بِخِلَافِ التَّكَسُّبِ (وَزَوْجَةُ مَنْ تَجِبُ لَهُ) النَّفَقَةُ كَأَبٍ وَابْنٍ وَأَخٍ (كَهُوَ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْفَقِيرِ الْيَوْمِيَّةِ لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ فَإِذَا احْتَاجَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رُبَّمَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الزِّنَا وَلِذَلِكَ وَجَبَ إعْفَافُهُ. (وَمَنْ لَهُ) مِنْ الْمُحْتَاجِينَ (لِلنَّفَقَةِ وَلَوْ) كَانَ (حَمْلًا وَارِثٌ دُونَ أَبٍ فَنَفَقَتُهُ) عَلَيْهِمْ (عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (وَالْأَبُ) الْغَنِيُّ (يَنْفَرِدُ بِهَا) أَيْ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} وَقَوْلِهِ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ " {خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ} " (فَ) مَنْ لَهُ (جَدٌّ وَأَخٌ) لِغَيْرِ أُمٍّ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ تَعْصِيبًا (أَوْ) لَهُ (أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ) فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ (بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ)؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا (وَ) مَنْ لَهُ (أُمٌّ وَجَدٌّ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا (أَوْ) لَهُ (ابْنٌ وَبِنْتٌ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا (أَثْلَاثًا) كَإِرْثِهِمَا لَهُ. (وَ) مَنْ لَهُ (أُمٌّ وَبِنْتٌ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا رُبْعُهَا عَلَى الْأُمِّ وَبَاقِيهَا عَلَى الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا (أَوْ) لَهُ (جَدَّةٌ وَبِنْتٌ) فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا (أَرْبَاعًا) كَإِرْثِهِمَا لَهُ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا (وَ) مَنْ لَهُ (جَدَّةٌ وَعَاصِبٌ غَيْرُ أَبٍ) كَابْنٍ وَأَخٍ وَعَمٍّ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا (أَسْدَاسًا) سُدُسُهَا عَلَى الْجَدَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى الْعَاصِبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْأَبُ فَيَنْفَرِدُ بِهَا وَتَقَدَّمَ. (وَعَلَى هَذَا) الْعَمَلِ (حِسَابُهَا) أَيْ النَّفَقَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْإِرْثِ (فَلَا تَلْزَمُ) النَّفَقَةُ (أَبَا أُمٍّ مَعَ أُمٍّ) مُوسِرَةٍ (وَ) لَا (ابْنَ بِنْتٍ مَعَهَا) أَيْ مَعَ بِنْتٍ مُوسِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ عَنْ الْمِيرَاثِ بِهَا (وَلَا) تَلْزَمُ (أَخًا مَعَ ابْنٍ) مُنْفَقٍ عَلَيْهِ وَلَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْأَخَ مَحْجُوبٌ. بِالِابْنِ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ وَحْدَهُ. (وَ) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ بَعْضُهُمْ مُوسِرٌ وَبَعْضُهُمْ مُعْسِرٌ كَأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مُوسِرٌ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ (تَلْزَمُ) نَفَقَتُهُ (مُوسِرًا) مِنْهُمَا (مَعَ فَقْرِ الْآخَرِ بِقَدْرِ إرْثِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ- مَعَ يَسَارِ الْآخَرِ- ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْغَيْرُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمُودِيِّ النَّسَبِ.
(وَتَلْزَمُ) نَفَقَةٌ (جَدًّا) لِابْنِ ابْنِهِ الْفَقِيرِ (مُوسِرًا) وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ (مَعَ فَقْرِ أَبٍ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ فِي عَمُودِيِّ النَّسَبِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ. (وَ) تَلْزَمُ (جَدَّةً مُوسِرَةً مَعَ فَقْرِ أُمٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَمَنْ لَمْ يَكْفِ مَا فَضَلَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ كِفَايَتِهِ (جَمِيعَ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ) عَلَيْهِ لَوْ أَيْسَرَ بِجَمِيعِهَا (بَدَأَ بِزَوْجَتِهِ)؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا وَجَبَ مُوَاسَاةً وَلِذَلِكَ تَجِبُ مَعَ يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (فَ) نَفَقَةُ (رَقِيقِهِ) لِوُجُوبِهَا مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (فَ) نَفَقَةِ (أَقْرَبَ) فَأَقْرَبَ لِحَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ " {ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ} " أَدْنَاكَ أَيْ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَبِرٌّ وَمَنْ قَرُبَ أَوْلَى بِالْبِرِّ مِمَّنْ بَعُدَ. (ثُمَّ) مَعَ اسْتِوَاءٍ فِي الدَّرَجَةِ يَبْدَأُ بِ (الْعَصَبَةِ) كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ (ثُمَّ التَّسَاوِي فَيُقَدَّمُ وَلَدٌ عَلَى أَبٍ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ. (وَ) يُقَدَّمُ (أَبٌ عَلَى أُمٍّ) لِانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ " {أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ} ". (وَ) تُقَدَّمُ (أُمٌّ عَلَى وَلَدِ ابْنٍ)؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي. إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَهَا فَضِيلَةُ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ. (وَ) يُقَدَّمُ (وَلَدُ ابْنٍ عَلَى جَدٍّ) كَمَا يُقَدَّمُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَبِ. (وَ) يُقَدَّمُ (جَدٌّ عَلَى أَخٍ)؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةَ الْوِلَادَةِ وَالْأُبُوَّةِ. (وَ) يُقَدَّمُ (أَبُو أَبٍ عَلَى أَبِي أُمٍّ) لِامْتِيَازِهِ بِالتَّعْصِيبِ (وَهُوَ) أَيْ أَبُو الْأُمِّ (مَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ مُسْتَوِيَانِ) لِتَمَيُّزِ أَبِي الْأُمِّ بِالْقُرْبِ وَالْآخَرِ بِالْعُصُوبَةِ فَتَسَاوَيَا (وَلِمُسْتَحِقِّهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (الْأَخْذُ) مِنْ مَالِ مُنْفِقٍ (بِلَا إذْنِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ) مِنْ دَفْعِهَا (كَ) مَا يَجُوزُ لِ (زَوْجَةٍ) الْأَخْذُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ لِحَدِيثِ هِنْدٍ " {خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ} " وَقِيسَ عَلَيْهِ سَائِرُ مَنْ تَجِبُ لَهُ. (وَلَا نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلَافِ دِينٍ) بِقَرَابَةٍ وَلَوْ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَكَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا (إلَّا بِالْوَلَاءِ) فَتَجِبُ لِلْعَتِيقِ عَلَى مُعْتِقِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ بَايَنَهُ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ مَعَ ذَلِكَ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَارِثِهِ مِنْ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ.
وَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ (مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبِهِ وَغَيْرِهِمْ)؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَيَسْتَضِرُّ بِفَقْدِهِ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ الْحَلْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا فَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَيُقَدَّمُ إنْ ضَاقَ الْفَاضِلُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالنَّفَقَةِ (بِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ تُعِفُّهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَلَا يَمْلِكُ) مَنْ أَعَفَّ بِسُرِّيَّةٍ (اسْتِرْجَاعَهَا مَعَ غَنَاءٍ) أَيْ الْفَقِيرِ كَالزَّكَاةِ وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً (وَ) إنْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا امْرَأَةً وَالْآخَرُ غَيْرَهَا (يُقَدَّمُ تَعْيِينُ قَرِيبٍ) مُنْفِقٍ (وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ عَلَى) تَعْيِينِ (زَوْجٍ)؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفَقَتِهَا وَتَوَابِعِهَا وَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ عَجُوزٍ قَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ أَوْ مَعِيبَةٍ (وَيُصَدَّقُ) مُنْفَقٌ عَلَيْهِ (أَنَّهُ تَائِقٌ) لِلنِّكَاحِ (بِلَا يَمِينٍ)؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ. وَفِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ بِيَمِينِهِ (وَيُعْتَبَرُ) لِوُجُوبِ إعْفَافٍ (عَجْزُهُ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ عَنْ مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ. (وَيَكْتَفِي) فِي الْإِعْفَافِ (بِوَاحِدَةٍ) زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا (فَإِنْ مَاتَتْ) زَوْجَةٌ أَوْ سُرِّيَّةٌ أَعَفَّهُ بِهَا (أَعَفَّهُ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ (لَا إنْ طَلَّقَ بِلَا عُذْرٍ) أَوْ أَعْتَقَ السُّرِّيَّةَ وَلَمْ يَجْعَلْ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِفَّهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ (وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمٍّ كَأَبٍ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُ إعْفَافُ أَبٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ سُلِّمَ فَالْأَبُ آكَدُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَهَا بِالتَّزْوِيجِ، وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا، وَبِنْتٌ وَنَحْوَهَا. كَأُمٍّ (وَ) يَلْزَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (خَادِمٌ لِلْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (لِحَاجَةٍ) إلَيْهِ (كَالزَّوْجَةِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ. (وَمَنْ تَرَكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ) مِنْ نَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ عَتِيقٍ (مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ) شَيْءٌ (لِمَا مَضَى)؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ (أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ (إلَّا بِفَرْضِ حَاكِمٍ) لِتَأَكُّدِهِ بِفَرْضِهِ (وَزَادَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهُوَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ (أَوْ إذْنِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ فِي النَّفَقَةِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ (فِي اسْتِدَانَةٍ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى، وَإِنْ فُرِضَتْ إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ (وَلَوْ غَابَ زَوْجٌ فَاسْتَدَانَتْ) زَوْجَةٌ (لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ) وَنَحْوِهِمْ (رَجَعَتْ) نَصًّا وَلَعَلَّهُ لِتَبَعِيَّةِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهَا لِنَفَقَتِهَا (وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (زَوْجٌ أَوْ قَرِيبٌ) فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ (رَجَعَ عَلَيْهِ مُنْفِقٌ) عَلَى زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ (بِنِيَّةِ رُجُوعٍ)؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ قَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ. وَقُوَّةِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ لَضَاعَ الضَّعِيفُ (وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ صَغِيرٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ أَبٍ أَوْ وَارِثِ غَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ (نَفَقَةُ ظِئْرِهِ) أَيْ مُرْضِعَتِهِ (حَوْلَيْنِ) كَامِلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ...} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَلِأَنَّ الطِّفْلَ إنَّمَا يَتَغَذَّى بِمَا يَتَوَلَّدُ فِي الْمُرْضِعَةِ مِنْ اللَّبَنِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْغِذَاءِ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ، وَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَاجَةِ. إلَى الرَّضَاعِ (وَلَا يُفْطَمُ قَبْلَهُمَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ (إلَّا بِرِضَا أَبَوَيْهِ أَوْ) بِرِضَا (سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا) فَيَجُوزُ (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ) بِفِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا. وَفِي الرِّعَايَةِ هُنَا يَحْرُمُ رَضَاعُهُ بَعْدَهُمَا وَلَوْ رَضِيَا، وَظَاهِرُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا (وَلِأَبِيهِ مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ خِدْمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. وَ(لَا) يَمْنَعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَلَوْ أَنَّهَا فِي حِبَالِهِ لِلْآيَةِ فَتُرْضِعُهُ هِيَ وَالْخَادِمُ تَقُومُ بِخِدْمَتِهِ عِنْدَهَا فَلَمْ يَفُتْهَا رَضَاعُهُ وَلَا حَضَانَتُهُ (وَهِيَ) أَيْ الْأُمُّ (أَحَقُّ) بِرَضَاعِ وَلَدِهَا (بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا حَتَّى مَعَ) مُرْضِعَةٍ (مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ) مَعَ (زَوْجٍ ثَانٍ وَيَرْضَى) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّ أُمَّهُ أَشْفَقُ، وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَتْ الْأُمُّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَوَجَدَ الْأَبُ مَنْ يَرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ مُتَبَرِّعَةً فَلِأَبٍ أَخْذُهُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً إلَّا بِمَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ، فَالْأُمُّ أَحَقُّ لِمَا سَبَقَ. وَإِنْ مَنَعَ الْأُمَّ زَوْجُهَا غَيْرُ أَبِي الطِّفْلِ مِنْ رَضَاعِهِ سَقَطَ حَقُّهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهَا إلَيْهِ (وَيَلْزَمُ حُرَّةً) إرْضَاعُ وَلَدِهَا (مَعَ خَوْفِ تَلَفِهِ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَنَحْوَهُ حِفْظًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ تَلَفُهُ لَمْ تُجْبَرْ دَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ شَرِيفَةً فِي حِبَالِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}. (وَ) يَلْزَمُ (أُمَّ وَلَدٍ) إرْضَاعُ وَلَدِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ خِيفَ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ غَيْرِهِ (مَجَّانًا) أَيْ بِلَا أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا لِسَيِّدِهَا (وَمَتَى عَتَقَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَكَ) حُرَّةٍ (بَائِنٍ) لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ. فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا: وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الرَّضَاعِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَلِزَوْجٍ ثَانٍ) أَيْ غَيْرِ أَبِ الرَّضِيعِ (مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ) الزَّوْجِ (الْأَوَّلِ) أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (إلَّا لِضَرُورَتِهِ) أَيْ الْوَلَدِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَ غَيْرِهَا (أَوْ شَرْطِهَا) بِأَنْ شَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا رَضَاعَ وَلَدِهَا فَلَهَا شَرْطُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِ أَبِيهِ فَاحْتَاجَتْ لِزِيَادَةِ نَفَقَةٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ كِفَايَتَهَا.
وَتَلْزَمُهُ أَيْ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا أَيْ بِالْمَعْرُوفِ (لِرَقِيقِهِ وَلَوْ) كَانَ رَقِيقُهُ (آبِقًا) أَوْ مَرِيضًا أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ (أَوْ) كَانَ أَمَةً (نَاشِزًا أَوْ) كَانَ (ابْنَ أَمَتِهِ مِنْ حُرٍّ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا غُرُورَ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِ تَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ وَأُدْمَ مِثْلِهِ. (وَ) تَلْزَمُهُ (كِسْوَتُهُ) أَيْ رَقِيقِهِ (مُطْلَقًا) غَنِيًّا كَانَ الْمَالِكُ أَوْ فَقِيرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " {لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ} " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي سَنَدِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ، وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَبَهِيمَتِهِ (وَلِمُبَعَّضٍ) عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَسُكْنَاهُ (بِقَدْرِ رِقِّهِ وَبَقِيَّتُهَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُبَعَّضِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَإِنْ أَعْسَرَ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَعَلَى وَارِثِهِ الْغَنِيِّ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفَقَةَ رَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ يَأْخُذُ كَسْبَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي كَسْبِهِ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِسَيِّدِهِ وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ (وَعَلَى حُرَّةٍ نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ) نَصًّا. قُلْت إنْ كَانَ مَنْ يُشْرِكُهَا فِي الْمِيرَاثِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِهِ كَمَا سَبَقَ (وَكَذَا مُكَاتَبَةٌ وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ وَلَدَهَا (مِنْ مُكَاتَبٍ) فَنَفَقَةُ وَلَدِهَا عَلَيْهَا (وَكَسْبُهُ لَهَا) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا (وَيُزَوَّجُ) رَقِيقٌ وُجُوبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِطَلَبِهِ). لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ غَالِبًا وَكَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ تَرْكِ إعْفَافِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ بِخِلَافِ طَلَبِ الْحَلْوَى (غَيْرَ أَمَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) سَيِّدُهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ) أَيْ كَاتَبَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَإِزَالَةُ دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا (وَتُصَدَّقُ) أَمَةٌ طَلَبَتْ تَزْوِيجًا وَادَّعَى سَيِّدُهَا أَنَّهُ يَطَؤُهَا (فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ)؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَيَجِبُ خِتَانُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا مِنْهُمْ. (وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ (فَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْغَائِبِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَهَا الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ عَنْ الْقَاضِي (وَكَذَا أَمَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ (وَإِنْ غَابَ) سَيِّدٌ (عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ زُوِّجَتْ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَحَفِظَ مَهْرَهَا لِلسَّيِّدِ قَالَ (الْمُنَقِّحُ وَكَذَا) لِحَاجَةِ (وَطْءٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَوْ وَطْءٍ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ أَيْ أَوْجَبَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُكَلَّفُوا) أَيْ الْأَرِقَّاءُ (مَشَقًّا كَثِيرًا) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا " إخْوَانُكُمْ {خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ} " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرَاحُوا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَ) وَقْتَ (نَوْمٍ وَ) أَدَاءِ (صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ) لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ إضْرَارٌ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَمَةٍ رَعْيًا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا لِبُعْدِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا. (وَ) يَجِبُ أَنْ (يُرْكِبَهُمْ عَقِبَهُ لِحَاجَةٍ) إذَا سَافَرَ بِهِمْ لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَهُ (وَمَنْ بُعِثَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (فِي حَاجَةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ) وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ (صَلَّى أَوَّلًا ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ) (فَلَوْ عُذِرَ) بِنَحْوِ خَشْيَةِ إضْرَارِ سَيِّدِهِ بِهِ (أَخَّرَ) الصَّلَاةَ (وَقَضَاهَا) أَيْ الْحَاجَةَ ثُمَّ صَلَّى، لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا (فَوَجَدَ مَسْجِدًا قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ صَلَّى) لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ) قَضَاءِ الْحَاجَةِ (فَلَا بَأْسَ) نَصًّا لِأَنَّهُ قَضَى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ. (وَسُنَّ) لِسَيِّدِهِمْ (مُدَاوَاتُهُمْ إنْ مَرِضُوا) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَيُدَاوِيهِ وُجُوبًا قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ. قُلْتُ الْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْمُدَاوَاةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. (وَ) يُسَنُّ لِسَيِّدٍ (إطْعَامُهُمْ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ (مِنْ طَعَامِهِ) وَإِلْبَاسُهُمْ مِنْ لِبَاسِهِ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ عَبِيدِهِ الذُّكُورِ فِي الْكِسْوَةِ وَبَيْنَ إمَائِهِ إنْ كُنَّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ اخْتَلَفْنَ فَلَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ مَنْ هِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ (وَمَنْ وَلِيَهُ) أَيْ الطَّعَامَ مِنْ رَقِيقِهِ (فَمَعَهُ أَوْ مِنْهُ) يُطْعِمُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِهِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " {إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ قَدْ كَفَاهُ عِلَاجَهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلِيُنَاوِلْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ} " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْمُبَاشِرِ تَتُوقُ إلَى مَا لَا تَتُوقُ إلَيْهِ نَفْسُ غَيْرِهِ (وَلَا يَأْكُلُ) رَقِيقٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ (إلَّا بِإِذْنِهِ) نَصًّا لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ. قُلْتُ إنْ مَنَعَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِالْمَعْرُوفِ كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ. (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالسَّيِّدِ (تَأْدِيبُ زَوْجَةٍ وَ) تَأْدِيبُ (وَلَدٍ وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (مُكَلَّفًا مُزَوَّجًا بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ وَ) كَذَا (تَأْدِيبُ رَقِيقٍ) إذَا أَذْنَبُوا وَيُسَنُّ الْعَفْوُ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بِلَا ذَنْبٍ وَلَا أَنْ يُضْرَبُوا ضَرْبًا مُبَرِّحًا. لِحَدِيثِ {لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ} " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ (وَ) لِسَيِّدِ رَقِيقٍ أَنْ (يُقَيِّدَهُ إنْ خَافَ عَلَيْهِ) إبَاقًا نَصًّا وَقَالَ يُبَاعُ أَحَبُّ إلَيَّ (وَلَا يَشْتُمُ أَبَوَيْهِ) أَيْ أَبَوَيْ الرَّقِيقِ (الْكَافِرِينَ) قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَهُوَ الَّذِي يُسِيءُ إلَى مَمَالِيكِهِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ السَّيِّدَ (بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ وَالْحَقَّ لَهُ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ وَطَلَبَ بَيْعَهُ لَزِمَهُ إجَابَتَهُ وَيَأْتِي (وَحَرُمَ أَنْ يَسْتَرْضِعَ أَمَةً) لَهَا وَلَدٌ (لِغَيْرِ وَلَدِهَا) وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِنَقْصِهِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ (إلَّا بَعْدَ رَيِّهِ) أَيْ الْوَلَدِ فَيَجُوزُ اسْتِرْضَاعُهَا بِمَا زَادَ لِاسْتِغْنَاءِ وَلَدِهَا عَنْهُ كَالْفَاضِلِ مِنْ كَسْبِهَا وَكَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا. (وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْنِ زَوْجٍ زَمَنَ حَقِّهِ) أَيْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَفْوِيتًا لِحَقِّ زَوْجِهَا بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ. (وَلَا) يَجُوزُ (جَبْرُ) قِنٍّ (عَلَى مُخَارَجَةٍ وَهِيَ) أَيْ الْمُخَارَجَةُ (جَعْلُ سَيِّدٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ) كُلَّ شَهْرٍ (شَيْئًا مَعْلُومًا لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا كَكِتَابَةٍ (وَتَجُوزُ) الْمُخَارَجَةُ (بِاتِّفَاقِهِمَا إنْ كَانَتْ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا، فَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِمَا يَغْلِبُهُ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ لِعَبْدٍ مُخَارِجٍ هَدِيَّةُ طَعَامٍ وَإِعَارَةٍ مَتَاعٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. (وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ لَا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ (وَيَصِحُّ) أَيْ يَجُوزُ تَسَرِّيهِ (عَلَى) قَوْلٍ (مَرْجُوحٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ). قَالَ (الْمُنَقِّحُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ انْتَهَى) وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَصَرَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَيْسَ لَهُ التَّسَرِّي إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّسَرِّي بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ رُجُوعًا) فِي أَمَةٍ أَذِنَهُ بِالتَّسَرِّي بِهَا (بَعْدَ تَسَرٍّ) بِهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ فَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ فَسْخَهُ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. (وَلِمُبَعَّضٍ وَطْءُ أَمَةٍ مَلَكَهَا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ بِلَا إذْنِ) أَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ مُلْكِهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى سَيِّدٍ امْتَنَعَ مِمَّا) يَجِبُ (لِرَقِيقِهِ) عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَإِعْفَافٍ (إزَالَةُ مُلْكِهِ) عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهَا (بِطَلَبِهِ) سَوَاءٌ امْتَنَعَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ أَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (كَفُرْقَةِ زَوْجَةٍ) امْتَنَعَ مِنْ مَا لَهَا عَلَيْهِ إزَالَةً لِلضَّرَرِ، وَفِي الْخَبَرِ عَبْدُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي وَامْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي.
وَعَلَى مَالِكِ بَهِيمَةٍ إطْعَامُهَا بِعَلَفِهَا أَوْ إقَامَةُ مَنْ يَرْعَاهَا (وَ) عَلَيْهِ (سَقْيُهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " {عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ} " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ ذَبْحِ مَأْكُولٍ) إزَالَةً لِضَرَرِهَا وَظُلْمِهَا وَلِأَنَّهَا تَتْلَفُ إذَا تُرِكَتْ بِلَا نَفَقَةٍ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا (فَإِنْ أَبَى) فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَعَلَ حَاكِمٌ الْأَصْلَحَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (أَوْ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) مَا يُنْفِقُهُ عَلَى بَهِيمَةٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ. (وَيَجُوزُ انْتِفَاعٌ بِهَا) أَيْ الْبَهِيمَةِ (فِي غَيْرِ مَا خُلِقَتْ لَهُ كَبَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ وَ) كَ (إبِلٍ وَحُمُرٍ لِحَرْثٍ وَنَحْوِهِ)؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمِلْكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا يُمْكِنُ وَهَذَا مِنْهُ كَاَلَّذِي خُلِقَتْ لَهُ وَبِهِ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَكْلُ الْخَيْلِ وَاسْتِعْمَالُ اللُّؤْلُؤِ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا ذَلِكَ، وَحَدِيثُ " {بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا إذْ قَالَتْ إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِذَلِكَ إنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ} " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ هُوَ مُعْظَمُ النَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ وَإِنْ عَطِبَتْ بَهِيمَةٌ فَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً خُيِّرَ بَيْنَ ذَبْحِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا. (وَجِيفَتُهَا) إنْ مَاتَتْ (لَهُ) أَيْ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ (وَنَقْلُهَا عَلَيْهِ) لِدَفْعِ أَذَاهَا (وَيَحْرُمُ لَعْنُهَا) أَيْ الْبَهِيمَةِ لِحَدِيثِ عُمَرَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَلَعَنَتْ امْرَأَةٌ نَاقَةً فَقَالَ: خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا مَكَانَهَا مَلْعُونَةً فَكَأَنِّي الْآن أَرَاهَا تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا تَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ} وَحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ: {لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ} رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (وَ) يَحْرُمُ (تَحْمِيلُهَا) أَيْ الْبَهِيمَةِ (مَشَقًّا)؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهَا (وَ) يَحْرُمُ (حَلْبُهَا مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَبَنُهُ مَخْلُوقٌ لَهُ أَشْبَهَ وَلَدَ الْأَمَةِ. (وَ) يَحْرُمُ (ذَبْحُ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ مَأْكُولٍ لِإِرَاحَةٍ) مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. (وَ) يَحْرُمُ (ضَرْبُ وَجْهٍ وَوَسْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ وَسَمَ أَوْ ضَرَبَ الْوَجْهَ وَنَهَى عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهِيَ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ إلَّا لِمُدَاوَاةٍ، وَقَالَ أَيْضًا يَحْرُمُ لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ (وَيَجُوزُ) الْوَسْمُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْوَجْهِ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَالْمُدَاوَاةِ. (وَيُكْرَهُ خِصَاءٌ) فِي غَنَمٍ وَغَيْرِهَا إلَّا خَوْفَ غَضَاضَةٍ نَصًّا وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَالْآدَمِيِّ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ إجْمَاعًا. (وَ) يُكْرَهُ (جَزُّ مَعْرَفَةٍ وَ) جَزُّ (نَاصِيَةٍ وَ) جَزُّ ذَنَبٍ وَتَعْلِيقُ جَرَسٍ (أَوْ وَتَرٍ) لِلْخَبَرِ وَيُكْرَهُ لَهُ إطْعَامُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ قَالَهُ فِي الْغُنْيَةِ (وَ) يُكْرَهُ (نَزْوُ حِمَارٍ عَلَى فَرَسٍ) كَالْخِصَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسْلَ فِيهِمَا (وَتُسْتَحَبُّ نَفَقَتُهُ) أَيْ الْمَالِكِ (عَلَى مَالِهِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ). وَفِي الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ لِئَلَّا يُضَيَّعَ انْتَهَى، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ.
مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْحِضْنِ، وَهُوَ الْجَنْبُ لِضَمِّ الْمُرَبِّي وَالْكَافِلِ وَالطِّفْلِ وَنَحْوِهِ إلَى حِضْنِهِ (وَتَجِبُ) الْحَضَانَةُ حِفْظًا لِلْمَحْضُونِ وَأَنْجَالِهِ مِنْ الْهَلَكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ هَلَكَ وَضَاعَ (وَهِيَ) شَرْعًا (حِفْظُ صَغِيرٍ وَمَعْتُوهٍ وَهُوَ الْمُخْتَلُّ الْعَقْلِ وَمَجْنُونٍ عَمَّا يَضُرُّهُمْ وَتَرْبِيَتُهُمْ بِعَمَلِ مَصَالِحِهِمْ) مِنْ غَسْلِ بَدَنِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَدَهْنِهِمْ وَتَكْحِيلِهِمْ وَرَبْطِ طِفْلٍ بِمَهْدٍ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوَهُ (وَمُسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ عَصَبَةٌ) كَأَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (وَامْرَأَةٌ وَارِثَةٌ كَأُمٍّ) وَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ (أَوْ) قَرِيبَةٌ (مُدْلِيَةٌ بِوَارِثٍ كَخَالَةٍ وَبِنْتِ أُخْتٍ أَوْ) مُدْلِيَةٌ (بِعَصَبَةٍ كَعَمَّةٍ وَبِنْتِ أَخٍ (وَ) بِنْتِ (عَمٍّ) لِغَيْرِ أُمٍّ (وَذُو رَحِمٍ كَأَبِي أُمٍّ) وَأَخٍ لِأُمٍّ (ثُمَّ حَاكِمٍ)؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَيَنُوبُ عَنْهُمْ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ. وَحَضَانَةُ الطِّفْلِ وَنَحْوَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (وَأُمُّ) مَحْضُونٍ (أَوْلَى) بِحَضَانَتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " {أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكَحِي} " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ، وَالْأَبُ لَا يَلِي حَضَانَتَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ، وَأُمُّهُ أَوْلَى مِمَّنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا. (وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا كَرَضَاعٍ) حَيْثُ كَانَتْ أَهْلًا (ثُمَّ) إنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ فَ (أُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى)؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ لَهُنَّ وِلَادَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ أَشْبَهْنَ الْأُمَّ (ثُمَّ) بَعْدَهُنَّ (أَبٌ)؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَأَحَقُّ بِوِلَايَةِ الْمَالِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذَلِكَ) أَيْ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِإِدْلَائِهِنَّ بِعَصَبَةٍ قَرِيبَةٍ (ثُمَّ جَدٌّ) لِأَبٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبِ (كَذَلِكَ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْأَجْدَادِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ) أَيْ الْجَدِّ (كَذَلِكَ) أَيْ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِإِدْلَائِهِنَّ بِعَصَبَةٍ (ثُمَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ) لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي النَّسَبِ وَقُوَّةِ قَرَابَتِهَا (ثُمَّ) أُخْتٌ (لِأُمٍّ) لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ كَالْجَدَّاتِ (ثُمَّ) أُخْتٌ (لِأَبٍ ثُمَّ خَالَةٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ) خَالَةٌ (لِأُمٍّ ثُمَّ) خَالَةٌ (لِأَبٍ) لِإِدْلَاءِ الْخَالَاتِ بِالْأُمِّ (ثُمَّ عَمَّةٌ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ لِإِدْلَائِهِنَّ بِالْأَبِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْأُمِّ (ثُمَّ خَالَةُ أُمٍّ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ خَالَةُ أَبٍ) كَذَلِكَ (ثُمَّ عَمَّتُهُ) أَيْ الْأَبِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ فَقُدِّمْنَ عَلَى مَنْ بِدَرَجَتِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ كَتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدَّةِ عَلَى الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى الْأَخِ وَلَا حَضَانَةَ لِعَمَّاتِ الْأُمِّ مَعَ عَمَّاتِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِأَبِي الْأُمِّ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَعَمَّاتِ الْأَبِ يُدْلِينَ بِالْأَبِ وَهُوَ عَصَبَةٌ (ثُمَّ بِنْتُ أَخٍ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (وَ) بِنْتُ (أُخْتٍ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ بِنْتُ عَمٍّ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (وَ) بِنْتُ (عَمَّةٍ) كَذَلِكَ (ثُمَّ بِنْتُ عَمِّ أَبٍ) كَذَلِكَ. (وَ) بِنْتُ (عَمَّتِهِ) أَيْ الْأَبِ (عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ) فَتُقَدَّمُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ) الْحَضَانَةُ (لِبَاقِي الْعَصَبَةِ) أَيْ عَصَبَةِ الْمَحْضُونِ (الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ) فَتُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ أَعْمَامُ أَبٍ ثُمَّ. بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ أَعْمَامُ جَدٍّ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ وَهَكَذَا. (وَشَرْطُ كَوْنِهِ) أَيْ الْعَصَبَةِ (مُحَرَّمًا وَلَوْ بِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ) كَمُصَاهَرَةٍ (لِأُنْثَى) مَحْضُونَةٍ (بَلَغَتْ سَبْعًا) مِنْ السِّنِينَ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ (وَيُسَلِّمُهَا غَيْرُ مُحْرَمٍ) كَابْنِ عَمٍّ (تَعَذَّرَ غَيْرُهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سِوَاهُ (إلَى ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا) الْعَصَبَةُ (أَوْ) يُسَلِّمُهَا إلَى (مَحْرَمِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحَاكِمٍ (وَكَذَا أُمٌّ تَزَوَّجَتْ وَلَيْسَ لِوَلَدِهَا غَيْرُهَا) فَتُسَلِّمُ وَلَدَهَا إلَى ثِقَةٍ تَخْتَارُهُ أَوْ مَحْرَمِهَا لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ) الْحَضَانَةُ (لِذِي رَحِمٍ ذَكَرًا وَأُنْثَى غَيْرَ مَنْ تَقَدَّمَ)؛ لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَقَرَابَةً يَرِثُونَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ تَقَدَّمَ أَشْبَهُوا الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ (وَأَوْلَاهُمْ) بِحَضَانَةٍ (أَبُو أُمٍّ فَأُمَّهَاتُهُ فَأَخٌ لِأُمٍّ فَخَالٌ ثُمَّ حَاكِمٌ)؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ، وَالْحَضَانَةُ وِلَايَةٌ (وَتَنْتَقِلُ) حَضَانَةٌ (مَعَ امْتِنَاعِ مُسْتَحَقِّهَا أَوْ) مَعَ (عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ) لَهَا كَالرَّقِيقِ (إلَى مَنْ بَعْدَهُ) أَيْ يَلِيهِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُمْتَنِعِ وَغَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ كَعَدَمِهِ (وَحَضَانَةُ) طِفْلٍ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ و(مُبَعَّضٍ لِقَرِيبٍ وَسَيِّدٍ بِمُهَايَأَةٍ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَوْمٌ لِقَرِيبِهِ وَيَوْمٌ لِسَيِّدِهِ وَمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ يَوْمَانِ لِقَرِيبِهِ وَيَوْمٌ لِسَيِّدِهِ. (وَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ. (وَلَا) حَضَانَةَ (لِفَاسِقٍ) ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي أَدَاءِ وَاجِبِ الْحَضَانَةِ وَلَا حَظَّ لِلْمَحْضُونِ فِي حَضَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَشَأَ عَلَى أَحْوَالِهِ. (وَلَا) حَضَانَةَ لِ (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ)؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْفَاسِقِ. (وَلَا) حَضَانَةَ لِامْرَأَةٍ (مُزَوَّجَةٍ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَحْضُونٍ زَمَنَ عَقْدٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكَحِي} " وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا، بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَيَسْتَحِقُّ مَنْعَهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبِ مَحْضُونِهَا وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ لَهُ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا (وَلَوْ رَضِيَ زَوْجٌ) بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْحَضَانَةَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ رَضَاعٍ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَبِمُجَرَّدِ زَوَالِ مَانِعٍ) مِنْ رِقٍّ أَوْ فِسْقٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ تَزَوُّجٍ بِأَجْنَبِيٍّ (وَلَوْ بِطَلَاقِ رَجْعِيٍّ وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا) يَعُودُ الْحَقُّ (وَ) بِمُجَرَّدِ (رُجُوعِ مُمْتَنِعٍ) مِنْ حَضَانَةٍ (يَعُودُ الْحَقُّ) لَهُ فِي الْحَضَانَةِ لِقِيَامِ سَبَبِهَا مَعَ زَوَالِ الْمَانِعِ. (وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْنِ) لِمَحْضُونٍ (نَقْلَهُ إلَى بَلَدِ آمِنٍ وَطَرِيقُهُ) أَيْ الْبَلَدِ (مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ لِيَسْكُنَهُ) وَكَانَ الطَّرِيقُ أَيْضًا آمِنًا (فَأَبٌ أَحَقُّ)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقُومُ عَادَةً بِتَأْدِيبِهِ وَتَخْرِيجِهِ وَحِفْظِ نَسَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ أَبِيهِ ضَاعَ وَمَتَى اجْتَمَعَ الْأَبَوَانِ عَادَتْ الْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ. (وَ) إنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَقْلَهُ (إلَى) بَلَدٍ (قَرِيبٍ) دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْآخَرِ (لِسُكْنَى فَأُمٌّ) أَحَقُّ فَتَبْقَى عَلَى حَضَانَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أَتَمُّ شَفَقَةً كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ أَحَدُهُمَا. (وَ) إنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ سَفَرًا (لِحَاجَةٍ) وَيَعُودُ (بَعْدَ) الْبَلَدِ الَّذِي أَرَادَهُ (أَوْ لَا) أَيْ لَمْ يَبْعُدْ (فَمُقِيمٌ) مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ إزَالَةً لِضَرَرِ السَّفَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَافِرُ بِهِ مُضَارَّةَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَالْأُمُّ أَحَقُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ وَقَوَّاهُ غَيْرُهُ.
وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ مَحْضُونٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا أَيْ تَمَّتْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ (خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ} " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا " {جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ} " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ " خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي وَكُنْتُ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ ". وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الْحَضَانَةِ لِحَقِّ الْوَلَدِ فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَشْفَقُ، وَاخْتِيَارُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ (فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا) لِيَحْفَظَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ (وَلَا يُمْنَعُ زِيَارَةَ أُمِّهِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لَهُ بِالْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَيَزُورُهَا عَلَى الْعَادَةِ كَيَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ (وَلَا) تُمْنَعُ (هِيَ تَمْرِيضَهُ) لِصَيْرُورَتِهِ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ لِلْحَاجَةِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ. (وَإِنْ اخْتَارَهَا) أَيْ الْأُمَّ (كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السَّكَنِ وَانْحِيَازُ الرِّجَالِ إلَى الْمَسَاكِنِ. (وَ) كَانَ (عِنْدَهُ) أَيْ الْأَبِ (نَهَارًا)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّصَرُّفِ فِي الْحَوَائِجِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ (لِيُؤَدِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ) لِئَلَّا يَضِيعَ (وَإِنْ) اخْتَارَ صَبِيٌّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ (عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إلَيْهِ) وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا اخْتَارَ. أَحَدَهُمَا نُقِلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ لِحِفْظِ نَفْسِهِ فَأُتْبِعَ مَا يَشْتَهِيهِ كَالْمَأْكُولِ. وَإِنْ كَانَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَّهُ مِنْ فَسَادٍ. وَيَكْرَهُ الْآخَرَ لِلْأَدَبِ لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: (وَيُقْرَعُ) بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ (إنْ لَمْ يَخْتَرْ) الصَّبِيُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا (أَوْ اخْتَارَهُمَا) جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَضَانَتِهِ، فَلَا مُرَجِّحَ غَيْرَ الْقُرْعَةِ (وَإِنْ بَلَغَ) الذَّكَرُ (رَشِيدًا كَانَ حَيْثُ شَاءَ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ وَزَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهُ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إصْلَاحِ أُمُورِهِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ فَيُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَتِهِمَا. (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْ أَبَوَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي بِرِّهِمَا وَصِلَتِهِمَا (وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرَ فِيهَا) كَأَخَّيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ أُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا (مَا لَمْ يَبْلُغْ مَحْضُونٌ سَبْعًا) أَيْ يَتِمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ (وَلَوْ أُنْثَى فَيُخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْبَعْضِ (وَالْأَحَقُّ مِنْ عَصَبَةِ) مَحْضُونٍ. قُلْتُ وَمِنْ ذُكُورِ ذَوِي رَحِمِهِ كَأَبِي أُمِّهِ وَأَخِيهِ لِأُمِّهِ وَخَالِهِ (عِنْدَ عَدَمِ أَبٍ أَوْ) عَدَمِ (أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْأَبِ (كَأَبٍ فِي تَخْيِيرِ) مَنْ بَلَغَ سَبْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مَثَلًا. (وَ) فِي (إقَامَةٍ وَنُقْلَةٍ) إذَا سَافَرَ أَحَدُهُمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ (إنْ كَانَ) الْعَصَبَةُ (مَحْرَمًا لِأُنْثَى) وَلَوْ بِنَحْوِ رَضَاعٍ كَعَمٍّ، وَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ رَضَاعٍ، أَوْ هِيَ رَبِيبَةٌ، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا (وَسَائِرُ) النِّسَاءِ (الْمُسْتَحَقَّاتِ لَهَا) أَيْ الْحَضَانَةِ مِنْ جَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ وَعَمَّاتٍ (كَأُمٍّ فِي ذَلِكَ) أَيْ التَّخْيِيرِ وَالْإِقَامَةِ وَالنُّقْلَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْأُمِّ. (وَتَكُونُ بِنْتَ سَبْعِ) سِنِينَ تَامَّةٍ (عِنْدَ أَبٍ إلَى زِفَافٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (وُجُوبًا)؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا وَأَحَقُّ بِوِلَايَتِهَا وَلِيُؤْمَنَ عَلَيْهَا مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْآفَاتِ، لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْخَدِيعَةُ لِغِرَّتِهَا أَوْ لِمُقَارَبَتِهَا إذْنَ الصَّلَاحِيَةِ لِلتَّزَوُّجِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ سَبْعٍ، وَإِنَّمَا تُخْطَبُ مِنْ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا وَأَعْلَمُ بِالْكُفْؤِ. وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَخْيِيرِهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبِنْتُ (وَيَمْنَعُهَا) أَبُوهَا أَنْ تَنْفَرِدَ (وَ) يَمْنَعُهَا (مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ تَنْفَرِدَ) بِنَفْسِهَا خَشْيَةً عَلَيْهَا. (وَلَا تُمْنَعُ أُمُّ) بِنْتٍ (مِنْ زِيَارَتِهَا) عَلَى الْعَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ (إنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهَا) أَيْ الْأُمِّ مَفْسَدَةً وَلَا خَلْوَةَ لِأُمٍّ مَعَ خَوْفِهِ أَنْ تُفْسِدَ قَلْبَهَا. قَالَ فِي الْوَاضِحِ. وَيُتَوَجَّهُ فِي الْغُلَامِ مِثْلُهَا فَإِنْ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا) تُمْنَعُ أُمٌّ مِنْ (تَمْرِيضِهَا بِبَيْتِهَا) أَيْ الْأُمِّ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ (وَلَهَا) أَيْ الْبِنْتِ (زِيَارَةُ أُمِّهَا إنْ مَرِضَتْ) الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ. (وَالْمَعْتُوهُ وَلَوْ أُنْثَى) يَكُونُ (عِنْدَ أُمِّهِ مُطْلَقًا) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ. وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ وَأُمُّهُ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ عُدِمَتْ أُمُّهُ فَأُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَيْ فَالْقُرْبَيْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُقَرُّ مَنْ يُحْضَنُ) أَيْ تَجِبُ حَضَانَتُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ عَتَهٍ (بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ)؛ لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ فَتَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ، وَلَا حَضَانَةَ وَلَا رَضَاعَ لِأُمٍّ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمَجْدُ وَبَعْضُهُمْ.
|